“حسين”.. عاش فقيرًا واستُشهدَ حالمًا بمنزلٍ يأوي عائلته
الأحد, 7 أكتوبر 2018
10:26 ص
راديو كلاكيت-وكالات
فقرٌ وإعاقةٌ عقليةٌ لازما الشاب حسين فتحي الرقب (18عامًا) منذ طفولته، وحتى استشهاده برصاص قوات الاحتلال، خلال مشاركته بمسيرات العودة جنوبي قطاع غزة.
معاناته من ضمور عقلي منذ ولادته لم تجعله يتوانى في مساعدة والديه لتحصيل قوت عيشهم اليومي والعمل بشكلٍ مُضنٍ؛ لجمع مبلغ من المال يبني به منزلاً صغيرًا يأوي أسرته كما كان يحلُم، وينتشلها من المنزل القديم المُتهالك الذي تستأجره بأحد الأحياء الريفية شرق خان يونس، إلا أن رصاصة إسرائيلية قاتلة سبقت حُلمه.
مسلكٌ رملي يمتد لأكثر من 50 مترًا عن أقرب طريق مُعبد عليك أن تسلكه كي تصل لمنزل الشهيد المُشيّد من الحصى. أما جدران “المنزل” فتشقّقت وباتت آيلة للسقوط، أمّا سقفه فمن الصفيح، ولا أثاث متوفر في البيت الذي يتوسط أرضًا خالية سوى من شجرتي جمّيز ونخلة، عمرهما من عمر تشييده.
تلقى الشهيد حسين دروسًا في مدرسةٍ خاصة بذوي الإعاق، ولضيق وضعه المادي كان يقطع ستة كيلومترات يوميًا سيرًا نحو مدرسته، حتى قرر هذا العام ألا يُكمل تعليمه، وفقًا لكلام والدته ختام الرقب.
وتقول الأم: “تفرّغ حسين لجمع الخردة كعلب المشروبات الغازية الفارغة ويبيعها مقابل مبالغ زهيدة ينفقها على نفسه وعلينا”.
“قوت مغموس بالموت”
منذ أسابيع، جهز “حسين” لنفسه عربة مكونة من ثلاثة “صناديق بلاستيكية” تسير على إطارين صغيرين، يصطحبها للحدود الشرقية ليجمع علب الألمنيوم الفارغة وبقايا قنابل الغاز التي يطلقها الاحتلال تجاه المتظاهرين السلميين ويعود بها للمنزل؛ ليبيعها لتجار “الخردة”.
لم تكُن تتوقع الأم المكلومة أن يعود ابنها شهيدًا أثناء جمعه لتلك “العلب الفارغة” من وسط جموع المتظاهرين، خاصة أنه من ذوي الإعاقة، ويذهب لجمع قوت عيشه، ولا يشكّل خطرًا على جنود الاحتلال الذين يرونه.
وتضيف “لم أتوقع للحظة أنه سيستشهد، فهو يُعاني من إعاقة، كما أنه يسير ببطء، ولا يستطيع حمل كثير من الأشياء”.
وتتساءل بحسرة وألم: “ماذا فعل ابني؟ ما هو ذنبه؟!، عاش فقيرًا حالمًا بواقع ومنزل أفضل، لكنه رحل دون أن يحقق ذلك”.
وتابعت والدموع تنهمر من عينيها “مؤخرًا زرع في فناء المنزل بعض الزهور والورد، واليوم قطفتها لأضعها على جثمانه؛ لأنه لن يعود مرةً أخرى”.
وذكرت الأم أن أسرتها تعاني منذ أشهر ظروفًا اقتصادية صعبة، فهي لا تمتلك مالًا لشراء غاز طهي، ما اضطّرها لاستخدام فرنٍ صغير من الطين، وكان نجلها الشهيد يساعدها في جمع الكرتون والحطب لإشعاله، في ساحة المنزل الصغير الآيل للسقوط في أي لحظة.
صدمة وحزن
عماد الشقيق الوحيد “لحسين” عبّر عن صدمته الشديدة لاستشهاده أخيه الذي كان رآه للتو بين المتظاهرين يجمع العلب الفارغة وبقايا قنابل الغاز المُسيل للدموع، وإذ به يصطدم بخبر إصابته بعد فترة قصيرة من رؤيته، ثم استشهاده بعد ساعات متأثّرًا بإصابته.
ويؤكّد لمراسل “صفا” أن شقيقه لم يقُم بشيء يؤذي جنود جيش الاحتلال، متسائلًا باستغراب “كيف يجرؤون على قتل مُعاق؟!”.
ويوضح أن شقيقه لا يؤذي أحدًا، بل يخرج ليساعد الناس مقابل أجر بسيط، ليساعدهم في مصروف البيت الذي لا يجد مكانًا للنوم فيه سوى في ساحاته الصغيرة.
غير بعيد عن عماد وقف الشاب “أحمد البريم” الصديق الوحيد للشهيد حسين والحزن بدا جليًا على قسمات وجهه.
وفي حديثه يروي البريم “ذهبت معه قبل أسابيع بناءً على رغبته لكي أساعده، وأصيب طفل بجواره، وقرر ألا يعود مرةً أخرى ونصحته بذلك خشية على حياته، لأن الاحتلال لا يفرق بين أحد”.
ويشير البريم إلى أن صديقه كان لا يستطيع الحركة كثيرًا؛ بسبب إعاقته، لكن ظروفه الصعبة هي التي جعلته يتحرك، وأخبره أنه ينوي تجميع وشراء حجارة من المبلغ الذي يوفره يوميًا لكي يبني بها منزل يعيش به مع أسرته.
واستذكر موقفًا لصديقه الشهيد حينما خرجا سويةً لجمع الخردة، حينها قال له الشهيد حسين “إذا جمعت مبلغًا جيدًا سأشتري طعامًا لأسرتي وحفاظات لابن شقيقي. يومها لم يجمع مبلغًا كافيًا، واستدان مني (خمسة شواقل) لعدة ساعات، ثم أرجعها لي لاحقًا”.
ومنذ 30 مارس الماضي يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي قمع المظاهرات السلمية التي ينظّموها المواطنون في مخيمات العودة شرقي قطاع غزة؛ للمطالبة بحق العودة وكسر الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ 12 عامًا.
ووفقًا لوزارة الصحة، قتل جيش الاحتلال 197مواطنًا، وأصاب أكثر من 21 ألفًا آخرين بجراح متفاوتة.
وكان من أبرز الشهداء الذين أعدمهم جيش الاحتلال الشاب المقعد إبراهيم أبو ثريا، الذي فقد قدميه في قصف إسرائيلي لمنزل عائلته، ثم فقد روحه برصاص قناصة الاحتلال رغم إعاقته الجسدية الظاهرة.