صور:: المُسن “طومان” وحكاية ثلاثة أيام من النزوح!
الإثنين, 16 مايو 2016
09:50 ص
مرت “68عامًا” على تلك الأيام الثلاثة، التي قطعها المُسن محمد محمد طومان “86عامًا”، برفقة عائلته كالطيف، هاربين من بطش العصابات الصهيونية، من بلدته “أسدود” لقطاع غزة عام 48م، عندما قدم الاحتلال البريطاني فلسطين على طبق من ذهب للحركة الصهيونية، التي شكلت لاحقًا كيانًا اسمه “إسرائيل”.
“أيامٌ ثلاثة” قطعها “طومان” ووالدته وشقيقته وشقيقه، والمئات من عوائل بلدته “أسدود” هربًا من الموت المُتربص بهم، عبر فوهة بنادق العصابات الصهيونية، التي صبت حممها على الشعب الأعزل، حتى وصلوا بلدة “حمامة”، وبعدها صوب مخيم جباليا شمالي قطاع غزة، ومنها لمخيم خان يونس جنوبي القطاع.
تلك الرحلة لم يُكن سيرها على الأقدام سهلاً، فامتزجت بحنين تعلق بتلك الأرض منذ لحظة الرحيل عنها قصرًا، فبينما كانت آلة الحرب تقتل هنا وهناك، كان “طومان” وأسرته يتعقبون ويسلكون الطرق الآمنة وصولاً لمكانٍ أمن.
كانت المحطة الأخيرة غزة، جلسوا فيها بلا مال ولا عتاد، فكُل شيء تُرك خلفهم في ديارهم، سوى مفاتيح حديدية ما تزال مُعلقة حتى اليوم على جدران المسكن البديل الذي شيدته لهم وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين “أونروا” بين ألاف المنازل المُتلاصقة بجوار بعضها البعض، حتى تكون مخيم خان يونس للاجئين.
نخوة ومقاومة
لم ينسى “طومان” شجاعة أهل وطنه، من عائلة الأسطل بمنطقة السطر الغربي غربي خان يونس، الذين استقبلوهم مدة “15عامًا” حتى تمكنوا من الانتقال للمخيم عام 1963م، كما لم ينسى كرم وطيبة أهل بلدته، والأيام الجميلة التي قضاها بها.
قبل رحلة النزوح كان “طومان” واحدًا ممن انخرطوا في رحلة الكفاح المسلح الفلسطيني بقيادة “محمد جودة”، فامتشق سلاحه، وباتت عينه ساهرة برفقة المئات من المُقاتلين الفلسطينيين، على حدود بلدته، منعًا من الاعتداء عليها أو الاقتراب منها، من قبل أي عدو.
لحين جاءت العصابات الصهيونية عام 48، بمساعدة من الاحتلال البريطاني، وهاجموا البلدة، واستبسلوا في الدفاع عنها؛ ويستذكر مُحاصرتهم لمستوطنة “نيسانيت”، وإيقاعهم القتلى والجرحى في صفوف الإسرائيليين، قبل أن يُستشهد ويُصاب بعضهم.
ولم يتخلى “طومان” وأهالي بلدته عنها، بل قاوموا وقاتلوا بكُل بسالة، لكن انسحاب الجيش المصري، وتخلي الدول العربية عنهم، وتفوق العصابات الصهيونية عسكريًا، بمساعدة بريطانيا، خلفت في صفوفهم الهزيمة، وجعلتها تتمادى في المذابح والمجازر البشعة بحق الفلسطينيين الأبرياء.
كما قاتل “طومان”في بلدات أخرى كانت تستنجد بالمقاتلين الفلسطينيين، ومنها “بيت دراس ، وبربرة، وأبو سوريح”..؛ وكانوا يعالجوا جرحى المعارك في مستشفيات المجدل وغزة، وأحيانًا لم يتمكنوا من الوصول لجثامين الشهداء، بسبب شدة القصف، ويتركوا في أماكن استشهادهم، وقليل يتمكنوا من دفنهم.
والسلاح الذي كانوا يقاتلون به هو سلاح ألماني وبريطاني يأتي لهم من تُجار فلسطينيين، وبعضه من مُخلفات بعض المعارك التي كانت تدور داخل وخارج فلسطين، _كما يروي “طومان” لمراسل “وكالة قدس نت للأنباء“_..
حياة أسدود
“طومان” الذي بدت عليه علامات الكبر واضحةً، فلم يستطع أن يفارق سريره القديم، الذي ينام عليه داخل منزله الصغير الواقع بين زقاق المُخيم، الذي تفوح منه رائحة القِدم، لم ينسى لحظات تدمير بلدته وقتل كل ما هو جميل به، وعاد لها بعد سنوات ووجدها كما هي.
مشاهد الألم والمعاناة والذُل التي عايشها، لم تُنسيه جمال بلدته الساحلية، التي كانت تشتهر بالتجار، والزراعة، خاصة زراعة الحبوب والبقوليات والأشجار المُعمرة، وأبرز عائلاتها التي كانت تمتاز بعلاقة وطيدة فيما بينهم، وهي : “زقوت، المناعمة، الجودة، الدعلس”، ولكل منها مُختار.
أما الحياة التعليمة فكانت بها للمرحلة الابتدائية نظام تعليم “الكُتاب”، والإعدادية في مدينة المجدل، والثانوية والجامعية في غزة، وهو لم يستطع أن يُكمل سوى للإعدادية لانشغاله في العمل بالأرض مع والده، ومن ثم القتال مع الثوار، قبل أن يتزوج وهو بسن الثامنة عشرة.
أما الأفراح فكانت تمتد لأسبوع حفلات السامر الفلسطيني، تتجمع بها البلدة نساءً ورجالاً؛ وكانوا يشتهرون بكثير من الأكلات أبرزها “المفتول، المناسف بالرز، والسُماقية..”؛ ولم تغب في خضم ذلك المودة والمحبة والنخوة والتعاضد بين أبناء البلد.
ويتمن “طومان” وهو يُمسك بمفتاح بيتهم، أن يُغمض عينه ويستفيق، ويجد نفسه وسط بلدته، محررةً من الاحتلال، ويُشدد “الأرض روح الإنسان وحياته، وتعني له كُل شيء، فبدونها لا يسوى شيئًا، لذلك عيوننا ترحل لها كل يوم، ولم ولن تغب عن بالنا”.
“وإسدود” هي مدينة فلسطينية ساحلية تقع على البحر الأبيض المتوسط، بناها الكنعانيون الذين سكنوا فلسطين التاريخية حوالي عام 3000 قبل الميلاد.
خان يونس – وكالة قدس نت للأنباء