شاعرُ العودة .. مفتاح الهوية وبوابة الانتماء الأصيل لفلسطين

الأحد, 15 يناير 2017 12:08 م

تقديم العمل الشعري المواكب لقضايا اللاجئين الفلسطينيين في التحديات والتطلعات، هو العنوان العريض الذي بنى عليه بيت فلسطين للشعر وثقافة العودة مشروعه السنوي (شاعر العودة)، والذي يعلن ميلاده السادس في هذا العام الجديد، انطلق مشروع شاعر العودة في 2012 ليواصل في كل شهر الاحتفاء بشعراء العودة الذين احتفوا بالوطن.

تعزيز وتطوير مدرسة شعر العودة رسالة حملها بيت فلسطين للشعر، رسالة إنسانية تتمسك بحق العودة الأصيل الذي لا تفريط فيه، قصائد شعرية تنحت في صخور الزمن المتراكم تعلن في كل عام العودة حق في صميم الإنسان الفلسطيني.
ستون شاعرا فلسطينيا وعربيا في فلسطين والشتات، كل واحد منهم كان شاعرا للعودة الفلسطينية، وارتبط اسمه وشعره بتكريم من بيت فلسطين للشعر على جهوده في إحياء تراث العودة بين حروف القصيدة.
حول مشروع شاعر العودة الذي ينظمه بيت فلسطين للشعر وثقافة العودة أجرى موقع “فلسطينيو تركيا” حوارا ثقافيا مع مجموعة من الشعراء المقيمين في تركيا، وكان هذا التقرير الذي تقطر من حروفه حلاوة ومرارة شعر العودة.

شعر العودة مفتاح الهوية

الشاعر رمضان عمر في حديثه مع “فلسطينيو تركيا”، أكد أن شاعر العودة – لي ولغيري – يمثل تأكيدا رؤيويا ثاقبا من خلال الجهة المعنية لثابت من الثوابت عبر بعد ثقافي يعيد تشكيل هوية الارض عبر ارتباطها بمالكها الحقيقي الانسان باعتباره فلسطينيا أيا كان.
وأضاف:” قصيدة العودة التي يمثلها شاعر العودة تمثل مفتاح الهوية عبر خطابها التاريخي والثقافي، وهي وثيقة جمالية ذات بعد سياسي تمثل جدارات حامية لكافة خيارات الانزلاق والضياع التي تمارسها بعض الجهات الفاقدة لشرعيتها عبر مشاريع التسوية والتنازل”.
وعن الفرق بين القصيدة في ثنايا الوطن والشتات قال عمر:” لا شك أن للغربة طعم يصهر القصيدة في مذاقات الحنين، ويجعل للعبارات مذاقا يرتسم بعذابات البعد وآهات الحنين، فتغدو الكلمات الشاعرة معها سابحة تبحث في البعيد عن شاطئ تحط عليه رحى الترحال لتتحقق معها العودة، عودة حقيقية للذات، فما اشد وما اقصى البعد القسري عن الوطن حينما يكون انجاز العودة المتخيل مستحيلا او شبة مستحيل عبر القراءات السياسية الواقعية التي تثبت كل يوم أن سفينة الخلاص تبتعد عن الشاطئ مغرقة في الضياع”.
مؤكدا في ذات الصعيد أن شاعر العودة في الخارج يطوع مذاقات الالم في الغربة لمشاريعه الحالمة فتصبح القصيدة معه هدفا استراتيجيا يسعى لتحقيق الحلم الشعري الى واقع ميداني على الارض.
وتابع قائلا:” أما قصائد قبل أن نكره على فراق الأرض والأوطان، فقد كانت محاكاة لحاجات غيرنا وانعكاسا لآهاتهم دون أن تكون تلك الانعكاسات تجارب ذاتية تصهر صاحبها في معمعان المعركة أو تجعل منه مشروعا متكاملا لبناء هوية هذا الثابت المقدس”.
وحول تطوير مشروع شاعر العودة دعا عمر إلى تفعيل قرارات اتخذت في لقاءات متعددة مع جهات كثيرة ومختصة، فإن من آمن بقضية ولم يَسْعَ لتحقيقها فقد كذب تقاعسه، ومن عمل فقد صدق قوله فعله وهو بذلك يستحق اللقب ويستحق أيضا أن يسند وينصر”.

فلسطين وجدانُ الشعب السوري وذاكرته

” فخور أنني من هذه القافلة، سعيد أنني أبصر نهاية الطريق”، عبارات استهل بها الدكتور الشاعر مصعب حمود كلامه مع “فلسطينيو تركيا” كان شعراً تقطر منه عبارات الوجدان والعودة حيث قال:” كانت قافلةً متناغمة الخطو والشدو تخبُّ إلى الشمس يوم التقاها بيت فلسطين فسارا معاً وسماها شاعر العودة.. في هذا الركب عبد الرحيم محمود حاملاً روحه في يده، وفدوى طوقان تمزق تصريح العبور وأجيالٌ متعاقبة لم تسمح بسقوط الراية قبل وصولها إلى التراب المقدس”.
الشاعر السوري الذي عشق القدس وسرى حب فلسطين في دمه، يرى القدس من بوابة حلب ويضيف:” مذ كنت طفلاً كان هاجسنا القدس.. أبي وأمي وإخوتي وأقربائي وأصحابي، وقد خُيِّل إلي من حجم المشكلة ووحشية الاحتلال وصراخ الأنظمة العربية أنّ القدسَ في مكان بعيد وأنّ كلَّ شيء أقربُ من القدس، لكنني لمّا نظرتُ في الخارطة أخذتني الدهشة والعجبُ أنَّ القدسَ أقربُ إلى الشام من حلب!”.
ويؤكد الشاعر حمود أن شعار العودة اليوم وإن كان عنوانه فلسطين إلا أن محتواه أوسع.. “إنه يعني عودة العالم أجمع إلى إنسانيّته المفقودة!”.
كما دعا إلى بناء شاعر العودة للأطفال والناشئين، لتوليد شاعريتهم، وقدح زناد الإبداع عندهم، وتحويل سيرة الرموز من شعر العودة وشعرائه إلى قصص وحكايا تكبر مع الأطفال، “فالأطفال مفاتيح العودة الحقيقية”.
وأردف قائلا: “فقد بلغ شاعرُ العودة من الغنى والثراء مقداراً يسمحُ بتحويله إلى برنامج تلفزيوني أسبوعي حواري أو على شكل ندوة، فالموقع الالكتروني يجذب النخب المهتمّة أما التلفاز فيصنع المهتمّين ويلفت الانتباه”.
وفي ختام الحوار يُحيينا ابن الشام بتحية الجفرا الفلسطينية ” جَفراهُ يا قلباً تشظّى .. خلفَ حبّات الضَّنا المتمزّقِ .. وجهٌ تفرّقَ كي يُلملمَ مقلتيه فلم يعدْ .. جفرا ألمّا يلتئم شملُ الأحبّةِ .. بعدَ طول تفرُّق؟ .. الله.. ما أحلاكِ ليلةَ نلتقي”.

 

قامات شعرية جديدة

الشاعر سمير عطية مدير بيت فلسطين للشعر وثقافة العودة، أعتبر أن مشروع شاعر العودة أعطى خصوصيَّة للجغرافيا أنْ تحتَفي بِمُبدِعيها، وقدْ حظي بوجود نُخبة من الشعراء المُبدعين الذين كتبوا للعودة وبَشَّروا بها عبر حروف القصيدة.
وعن فلسطين وسورية التوأمان في جسد واحد قال عطية لـ “فلسطينيو تركيا”:” في هذه الجغرافيا التي جمَعتْ بين شاعرٍ جاء من فلسطين فعاشَ الوطنَ واللُّجوء، وبين شاعرينِ من سوريَّة لم ينظموا القصائد في القضيّة فحسب بل عاشوا آلامها في المدن السورية التي احتضنت على مقربة منها مُخيّمات القادمين من فلسطين، تلك التي حملت اسم العائدين في عدد منها، ووسط هذه المفارقات والموافقات ضمَّت تركية الشعراء رمضان عمر ومصعب حمّود وأنس دغيم”.

وأشار مدير بيت فلسطين إلى أن شاعر العودة في أعوامِه الخمسة عرف طريقه إلى القصيدة الفلسطينية العربيَّة، أمّا في عامه السَّادس فسيضيف إلى رصيدِ الحكاية الشعريّة تجارب شعريَّة تركيَّة كتبت للعودة وبشّرت بها، وانحازت فيها للشجن الفلسطيني بكل أبعاده، فأصبح الحرف جسراً بين القلوب، وباتت القصيدة مسافات تتقارب فيما بينهم.
وتابع عطية قائلا:” إنَّ شاعر العودة في عامِه السادس سيضيء على قامات شعريَّة جديدة، مستفيداً من هذا الوجود الثقافي المتنوّع بالعطاء والرّؤى والإبداع، وتلاقي الأقلام الشِّعريّة التي استقرَّت في تركية أو تلك الأقلام الشعريّة التي تنتسب لبلاد الأناضول لغةً وتاريخاً وقصيدة”.

مسيرة عطاء :

بيت فلسطين للشعر وثقافة العودة أُسس في العاصمة السورية دمشق عام 2009، ليكون صوتاً ثقافيًّا للمبدعين خارج فلسطين في الشتات، وجسراً إبداعيًّا مع أبناء الوطن، ليعمل على تفعيل العمل الثقافي في أوساط أبناء الشعب الفلسطيني خارج الوطن، وأن يعزز الحضور الثقافي الفلسطيني في المحافل الثقافية العربية والإسلامية والدّوليّة.

كما أصدر البيت عدة قصائد شعرية ورقية والكترونية، ونظم العديد من الفعاليات الثقافية منها الملتقى الأول والثاني لفنون وأداب العودة، والرواق الثقافي بنسخته الثلاث، والأمسيات والندوات والمحاضرات الثقافية، بالإضافة إلى الحملات الالكترونية الثقافية حول القدس ومعاناة الفلسطينيين في الداخل والشتات وحق العودة.

إسطنبول – ماهر حجازي